القائمة الرئيسية

الصفحات

توقعات بتراجع النمو الاقتصادي في المغرب سنة 2026

ما هي تحديات النمو الاقتصادي في المغرب 2026

في ظل التحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة، أعلنت المندوبية السامية للتخطيط (HCP) في تقريرها الأخير عن توقعات اقتصادية مقلقة للمغرب، حيث يُنتظر أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي إلى 4% سنة 2026، بعد توقعات بنسبة 4.4% في عام 2025.

توقعات بتراجع النمو الاقتصادي في المغرب سنة 2026
توقعات النمو الاقتصادي في المغرب

و هذا التراجع يُعزى إلى عوامل دولية ضاغطة أبرزها تباطؤ الطلب العالمي، واضطرابات التجارة الدولية التي لا تزال تلقي بظلالها على اقتصادات الدول النامية، و يأتي هذا في وقت يشهد فيه المغرب جهودًا مستمرة لتنويع اقتصاده وتعزيز صموده أمام الصدمات الخارجية.

يعكس هذا التراجع المرتقب تحديات كبرى في المسار التنموي الوطني، خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الأولية، وتقلبات السوق العالمية، وزيادة الاعتماد على الواردات، كما تشير الأرقام الجديدة إلى ضرورة إعادة النظر في بعض الأولويات الاقتصادية والسياسات العمومية لضمان استدامة النمو على المدى المتوسط، ورغم هذه التحديات لا يزال المغرب يحتفظ بهامش للتحرك بفضل استثماراته الاستراتيجية في البنية التحتية والطاقة المتجددة، والرهان على قطاعات واعدة كالصناعة والرقمنة.

توقعات المندوبية السامية للتخطيط: انخفاض النمو إلى 4% سنة 2026

وفقًا لما جاء في تقرير الميزانية الاقتصادية الاستكشافية لسنة 2026، الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، يُتوقع أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي إلى 4% سنة 2026، مقابل 4.4% سنة 2025، نتيجة تراجع الطلب العالمي واضطرابات التجارة الدولية، ويستند هذا التوقع إلى معطيات كمية ومؤشرات دقيقة تهم الناتج الداخلي الخام، أداء القطاعات الإنتاجية، وظروف السوق الدولية، وقد جاء هذا التصريح ضمن وثيقة تحليلية شاملة نُشرت على البوابة الرسمية للمندوبية وأُشير إليها كذلك في وسائل إعلام وطنية مثل وكالة المغرب العربي للأنباء.

وترجع المندوبية هذا الانخفاض بالأساس إلى تباطؤ وتيرة الطلب الخارجي الموجه نحو المغرب، نتيجة انخفاض دينامية الاقتصاد العالمي، وتداعيات الأزمات الجيوسياسية المستمرة، خصوصًا في أوروبا والشرق الأوسط، كما يندرج هذا التراجع في سياق استمرار الضغط على سلاسل التوريد الدولية وارتفاع كلفة التمويل بفعل السياسات النقدية التقشفية المعتمدة من طرف العديد من الشركاء الاقتصاديين للمملكة، و رغم ذلك تؤكد الوثيقة أن المغرب لا يزال يحتفظ بتوازناته الماكرو اقتصادية، مما يمنحه قدرة على التفاعل المرن مع هذه التحديات.

ما الأسباب وراء تباطؤ الاقتصاد المغربي؟

تشير المندوبية السامية للتخطيط إلى أن أحد أبرز أسباب التباطؤ المتوقع للنمو الاقتصادي المغربي سنة 2026 هو انخفاض الطلب العالمي الموجه نحو الصادرات المغربية، خصوصًا من الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأول للمملكة، إذ تأثرت اقتصادات هذه الدول بتشديد السياسات النقدية، وارتفاع أسعار الفائدة، مما أضعف قدرتها الاستهلاكية والصناعية، و هذا التراجع انعكس مباشرة على القطاعات التصديرية المغربية، مثل الصناعات التحويلية، والفلاحة، وقطاع السيارات، التي تعتمد بشكل كبير على الأسواق الخارجية.

إضافة إلى ذلك، فإن استمرار اضطرابات التجارة الدولية وسلاسل التوريد، الناتجة عن التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، والحرب في أوكرانيا، قد أثّر سلبًا على تدفق المواد الأولية وقطع الغيار نحو المغرب، وأدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوريد، كما لعبت تقلبات أسعار الطاقة والمواد الغذائية دورًا في زعزعة التوازن التجاري والضغط على الميزانية العامة، ورغم الجهود المبذولة لتنويع الشركاء التجاريين، يبقى الاقتصاد الوطني معرضًا بشدة لتقلبات الأسواق العالمية.

مقارنة بين نمو 2025 و2026: مؤشرات وتفسيرات

تُقدّر المندوبية السامية للتخطيط أن معدل النمو الاقتصادي في المغرب سيبلغ 4.4% خلال سنة 2025، مقابل 4% فقط سنة 2026، مما يعكس تراجعًا بنسبة 0.4 نقطة مئوية في سنة واحدة، ويُعزى هذا الفارق الطفيف إلى انتعاش نسبي متوقع في الإنتاج الفلاحي والصناعي خلال 2025، مدفوعًا بتحسن الظروف المناخية وموسم فلاحي واعد، إلى جانب استقرار نسبي في أسعار المواد الأولية آنذاك، كما ساهمت وتيرة الاستثمار العمومي في تحفيز الطلب الداخلي خلال تلك السنة، مما أعطى دفعة مؤقتة للنمو.

في المقابل، يتوقع أن يشهد عام 2026 تباطؤًا تدريجيًا في زخم الاقتصاد الوطني، نتيجة التقلص المتوقع في الطلب الأجنبي، وتراجع الدينامية الاستثمارية بسبب تشديد شروط التمويل دوليًا، كما تُظهر التقديرات أن مساهمة القطاعات غير الفلاحية في الناتج الداخلي الخام ستشهد استقرارًا أو تراجعًا طفيفًا، بفعل تباطؤ الإنتاج الصناعي والخدمات الموجهة نحو الخارج، وتُبرز هذه المقارنة مدى هشاشة النمو المغربي في ظل ارتباطه الوثيق بالعوامل المناخية والخارجية، مما يفرض ضرورة تنويع محركات الاقتصاد.

القطاعات المتأثرة بتراجع النمو في المغرب

يتوقع أن يكون قطاع الفلاحة من أكثر القطاعات تأثرًا بتباطؤ النمو في سنة 2026، خصوصًا مع استمرار التقلبات المناخية وضعف التساقطات المطرية، وهو ما يؤثر سلبًا على الإنتاج الفلاحي الذي يشكل مكونًا أساسيًا من الناتج الداخلي الخام، كما يُسجل تراجع في الطلب العالمي على المنتجات الفلاحية المغربية، خاصة من الأسواق الأوروبية، بسبب انخفاض القوة الشرائية والتغيرات في سلاسل الإمداد، وهذا يضع ضغوطًا إضافية على الفلاحين الصغار ويُضعف مردودية القطاع ككل.

تنوع الاقتصاد المغربي
قطاعات اقتصاد المغرب

من جهة أخرى، يُتوقع أن يتأثر قطاع الصناعة التحويلية سلبًا بفعل ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص المواد الأولية، إلى جانب تراجع الطلب الخارجي، كما سيشهد قطاع السياحة تباطؤًا في وتيرته بعد التعافي الجزئي المسجل في 2023 و2024، متأثرًا بارتفاع تكاليف السفر عالميًا، أما قطاع التجارة والخدمات، فسيعرف هو الآخر ركودًا نسبيًا نتيجة تقلص القدرة الشرائية للمواطنين، وتراجع الاستهلاك الداخلي، وهو ما قد ينعكس مباشرة على معدلات الشغل والدخل الفردي.

دور السياق الدولي في رسم معالم الاقتصاد المغربي

لا يمكن فصل أداء الاقتصاد المغربي عن التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، خصوصًا في ظل ارتباطه القوي بالشركاء الأوروبيين، الذين يمثلون ما يزيد عن 60% من المبادلات التجارية للمغرب، وقد ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية، والتوترات بين القوى الكبرى، في رفع أسعار الطاقة والغذاء، مما زاد من تكاليف الاستيراد والضغط على الميزان التجاري المغربي، كما أدت هذه الأزمات إلى تشديد السياسات النقدية في أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما أثر بدوره على حجم الاستثمارات والتحويلات المالية نحو البلدان النامية.

وفي ظل هذا السياق المتقلب، يجد المغرب نفسه أمام تحدي تقليص التبعية للأسواق التقليدية، عبر تنويع شركائه التجاريين والانفتاح على الأسواق الإفريقية والآسيوية، غير أن ذلك يتطلب جهودًا كبيرة على مستوى البنية التحتية اللوجستية، وتحسين تنافسية المنتوجات المغربية، كما أن الاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع تكاليف التمويل، يُعدان من بين العوامل التي تبطئ من قدرة المغرب على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يحدّ من قدرته على تحقيق نمو مستدام في السنوات المقبلة.

هل تضعف هذه الأرقام طموحات النمو الحكومية؟

رغم تراجع توقعات النمو لسنة 2026، إلا أن الحكومة المغربية ما تزال متمسكة بتحقيق أهدافها التنموية الكبرى، خاصة تلك المعلنة ضمن نموذج التنمية الجديد الذي يراهن على تحقيق نمو قوي وشامل في أفق 2035، ومع ذلك فإن انخفاض وتيرة النمو إلى 4% فقط يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة السياسات العمومية الحالية على بلوغ تلك الطموحات، خصوصًا في ظل تأخر الإصلاحات الهيكلية في بعض القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة وسوق الشغل، كما أن ضعف خلق فرص الشغل المستدامة قد يحدّ من الأثر الاجتماعي للنمو الاقتصادي.

وتُظهر الأرقام الجديدة أن تحقيق معدل نمو يفوق 5% سنويًا، كما تطمح إليه الحكومة، يستلزم تحوّلات أعمق في البنية الاقتصادية، من خلال تعزيز التصنيع، تسريع التحول الرقمي، وتقوية رأس المال البشري، كما يجب التركيز على تحسين مناخ الأعمال، وتشجيع الاستثمارات الخاصة، وخاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، ورغم التحديات الظرفية، فإن توفر المغرب على بنية تحتية قوية، واستقرار سياسي ومالي نسبي، يمنحه فرصًا حقيقية لتحقيق جزء من هذه الطموحات إذا ما تم تسريع وتيرة الإصلاحات.

ما هي الحلول الممكنة للحفاظ على دينامية الاقتصاد المغربي؟

تُشير تقارير المندوبية السامية للتخطيط وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى ضرورة تعزيز التنويع الاقتصادي كأحد أهم الحلول لمواجهة تباطؤ النمو، عبر دعم قطاعات جديدة مثل الصناعات التكنولوجية والطاقة المتجددة، وتحفيز المقاولات الصغيرة والمتوسطة لتكون قاطرة للنمو والابتكار، كما يُعد تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الوصول إلى التمويل من العوامل الأساسية التي تعزز قدرة المغرب على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية المتأثرة بالتقلبات الدولية.

إضافة إلى ذلك، يجب التركيز على تطوير رأس المال البشري من خلال تحسين جودة التعليم والتكوين المهني، لضمان توفير كوادر مؤهلة تلبي حاجات سوق العمل الحديثة، كما يلعب الاستثمار في البنية التحتية الرقمية دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد الرقمي وتعزيز تنافسية المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي، و عموما تبقى سياسات الاستدامة البيئية محورًا لا غنى عنه لضمان نمو اقتصادي طويل الأمد قادر على مواجهة تحديات المستقبل المناخي والاقتصادي.

خلاصة

يُبرز تراجع معدل النمو الاقتصادي في المغرب إلى 4% عام 2026 تحديات حقيقية تواجه الاقتصاد الوطني في ظل تقلبات الأسواق العالمية والضغوط الجيوسياسية، ورغم هذه الصعوبات، تبقى الإمكانيات متاحة أمام المملكة لتعزيز صمودها الاقتصادي من خلال سياسات متوازنة تركز على التنويع والابتكار والتنمية المستدامة.

إن مستقبل النمو الاقتصادي المغربي يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة والقطاع الخاص على تنفيذ الإصلاحات اللازمة، وتحسين بيئة الاستثمار، ودعم القطاعات الواعدة، بالإضافة إلى تطوير الموارد البشرية والبنية التحتية الرقمية، كما أن التحرك السريع والمتكامل سيكون العامل الحاسم لضمان تحقيق تطلعات المملكة في التنمية الشاملة والمستدامة.

شاركنا رأيك! كيف ترى مستقبل الاقتصاد المغربي في ظل هذه التحديات؟ اترك تعليقك وأخبرنا أفكارك أو تجاربك. تواصلك معنا يُثري الحوار ويُساهم في نشر الوعي!

تعليقات