تطورات ملف الصحراء المغربية
في الأسابيع الأخيرة، شهدت قضية الصحراء المغربية تطوّرًا دبلوماسيًا بارزًا تمثل في إعلان بريطانيا دعمها الكامل لخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تعتبرها الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق لتسوية النزاع.
![]() |
الصحراء المغربية |
أتى هذا الاعتراف إثر بيان مشترك بُلغ به من قبل وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أشار إلى أن لندن ستدعم المبادرة ليس فقط على المستوى الثنائي، بل أيضًا دوليًا، بما يعزز موقع المغرب ضمن الجهود الدولية لحل القضيّة.
ويعكس هذا التدخّل مسارًا متسارعًا في الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، إذ يُعد انضمام بريطانيا، إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى المصطفّين خلف المغرب بعد الولايات المتحدة وفرنسا، مؤشرًا على تغير ملموس في التوازنات الإقليمية والدولية ووفقًا للرباط، فإن هذه الخطوة ستسهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار في شمال إفريقيا و تعميق التعاون الاقتصادي والتنمية الإقليمية.
ما هي خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل نزاع الصحراء؟
تُقدّم المملكة المغربية، بموجب مقترحها الذي طرحته على الأمم المتحدة في أبريل 2007، نموذجًا لـ«جهة الحكم الذاتي للصحراء» تتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة تحت سيطرتها، بينما تبقى السلطات السيادية كالأمن والدفاع والعلاقات الخارجية بيد الدولة المركزية، ينص المقترح أيضًا على انتخاب حكومة إقليمية وبرلمان جهوي، يتم تعيين رئيس الحكومة من قبل الملك بعد مشاورات، ويُولّى للمغرب وحده مسؤولية الرموز الوطنية والعملة والنظام الدستوري.
هذا النموذج لا يهدف فقط إلى خلق مسار تفاوضي، بل يُصوّر كخيار جذري لتحصين الوحدة الترابية وتحقيق تنمية مستدامة في الأقاليم الجنوبية، فقد أكدت دبلوماسية الملك محمد السادس التي برزت ممثلة باعتمادات لأزيد من 107 دولة لهذا المقترح أن الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب هو الحل الوحيد والأوحد للنزاع، وأن المشروع يتمتع بـشرعية دولية كبيرة وفقًا لقرارات مجلس الأمن.
لماذا يعتبر دعم بريطانيا للمغرب تطوّرًا دبلوماسيًا مهمًا؟
تُعتبر خطوة دعم المملكة المتحدة الرسمية لمبادرة الحكم الذاتي المغربية رسالة قوية لصالح المغرب، لا سيما حين أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، عقب اجتماع مع نظيره المغربي ناصر بوريطة في الرباط بتاريخ 1 يونيو 2025، أن مقترح الحكم الذاتي هو الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق لحل دائم للنزاع.
وقد وصف الجانب المغربي هذا الموقف بـالتاريخي، حيث كسر جدار التردد الأوروبي نحو الملف، ليتبيّن أن بريطانيا تتحرك الآن كمؤيّدة نشطة، لا مجرد مراقب حيادي .
هذا التحوّل يعززه أيضًا الدعم البرلماني البريطاني الذي تزايد منذ مايو 2024، عندما دعا أكثر من ثلاثين نائباً ولوردًا من كلا الحزبين إلى تبنّي خطة الحكم الذاتي كـحل وحيد للنزاع، مشددين على أن الانفصالية أو تقسيم الصحراء لا مجال له، وأن المقترح المغربي يحقق الاستقرار ويحترم التقاليد والتطلعات الديمقراطية للسكان المحليين.
من هنا، يُعد موقع بريطانيا كعضو دائم في مجلس الأمن داعمًا أساسيًا، لما يضفيه من زخْم دولي على الطموحات المغربية ويعزز الموقف الأوروبي المؤيد لمبادرتها.
ردود فعل الجزائر بعد الموقف البريطاني الأخير من قضية الصحراء المغربية
أعربت الجزائر، عبر وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، عن أسفها البالغ إزاء دعم المملكة المتحدة الرسمي لخطة الحكم الذاتي المغربية، واعتبرت أن هذه الخطوة هدفها كسب المزيد من الوقت، كما شدد البيان الجزائري على أن دعم لندن للمبادرة لا يعني بالضرورة الاعتراف بسيادة المغرب على الإقليم.
مناوئة الجزائر لمصالح المغرب تظل قائمة، حيث تسعى دائما وراء عرقلة تسوية النزاع و تدعم الانفصال ماديا و ديبلوماسيا بحكم كونها هي صنيعة البوليساريو، لكن المشكل المطروح و الدي بدأت تشعر به الجزائر هو مصير هده المجموعة الانفصالية لأن النزاع بات قاب قوسين أو أدنى من حسمه، و ستجد نفسها متورطة في احتضان هده المجموعة.
تبقى الجزائر الدولة الوحيدة المباشرة في تغدية النزاع حول الصحراء المغربية، و مستمرة في منازعة المغرب على أرضه مشكلة بذلك حجرة عثرة في طريق التنمية و تكتل اتحاد المغرب العربي.
دول العالم التي دعمت خطة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية حتى الآن
قدّر المغرب الدعم الدولي الواسع لمبادرة الحكم الذاتي، التي حظيت باعتراف رسمي من نحو 110 دولة أعضاء في الأمم المتحدة، بمن فيهم ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن و يتعلق الأمر ب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء صراحة و نفس الشيء بالنسبة للاعتراف الفرنسي، و مؤخرا تأكيد بريطانيا بأن الحكم الذاتي يعد حلا وحيدا لحل النزاع، و هذا إضافة إلى 19 دولة من الاتحاد الأوروبي ودول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وفي ديسمبر 2024، أشار مجلس الأمن في القرار 2756 إلى أن مبادرة الحكم الذاتي تعد أساسا واقعيا و دو مصداقية لتسوية النزاع، مؤكّدًا بذلك جديّة ومصداقية المقترح المغربي.
كما عزّزت العديد من الدول دعمها العملي، فمولدافيا صرّحت في أبريل 2025 بأن المبادرة تمثل الأساس الأكثر جدية ومصداقية لحل النزاع، وذلك خلال لقاء جمع ناصر بوريطة بنظيره المولدافي.
كما أعربت الدنمارك وألمانيا وهولندا وإسبانيا عن دعمها ضمن بيان مشترك مع المغرب، معتبرة المقترح مساهمة جادة وموثوقة للعملية السياسية الأممية.
علاوة على ذلك، فتحت أزيد من 30 دولة من آسيا وأفريقيا وأميركا تمثيليات دبلوماسية في العيون والداخلة، في دلالة ملموسة على الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.
هل اقترب حل نزاع الصحراء المغربية؟
في ضوء تزايد الدعم الدولي، وصل عدد الدول المؤيدة لخطة الحكم الذاتي المغربية إلى نحو 116 دولة بحلول أبريل/مايو 2025، بما في ذلك انسحاب غانا وبنما والإكوادور من الاعتراف بـ "جبهة البوليساريو).
كما أن جميع قرارات مجلس الأمن مند سنة 2007 لم يعد يشير الى الاستفتاء، بل يشير دائما الى جدية و مصداقية المتحر المغربي للحكم الذاتي و اعتباره آلية من آليات حل النزاع، مما يعزز مصداقية المقترح المغربي ويطبع مسار التسوية بطابع رسمي دولي.
على المستوى الأمني والتنموي، طرحت المغرب الحكم الذاتي كخيار استراتيجي يعزز الأمن الإقليمي، عبر إعداد أطر محلية لإدارة الشرطة والأمن في الأقاليم الجنوبية ، كما أطلقت مبادرات لتعزيز قدرات النخبة المحلية، سواء في الإدارة أو التشريع، لضمان انتقال سلس وتوطيد ثقة السكان في المؤسسات الجهوية . هذه الجوانب تؤكد أن المقترح لم يعد مجرد حل سياسي، بل نموذج شامل لتحقيق تنمية واستقرار دائمين.
تأثير النزاع على الاستقرار الإقليمي والاقتصاد المغاربي
يُعد نزاع الصحراء المغربية من أبرز العوامل المؤثرة في استقرار منطقة شمال إفريقيا، حيث يساهم في تعميق الانقسامات بين دول الاتحاد المغاربي، مما يعيق تحقيق التكامل الاقتصادي والتعاون الإقليمي الفعّال، وقد أشار تقرير صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج إلى أن هذا النزاع يُعتبر عائقًا رئيسيًا أمام بناء اتحاد مغاربي قوي وموحّد.
اقتصاديًا، يُسهم النزاع في إعاقة مشاريع التنمية المشتركة بين الدول المغاربية، مثل مشاريع الربط الطرقي والسككي بين دول المغرب العربي، ويُقلل من فرص الاستثمار الأجنبي في المنطقة، و وفقًا لدراسة أعدها مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، فإن غياب الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة يُعد من أبرز الأسباب التي تُثني المستثمرين عن ضخ رؤوس أموالهم في مشاريع مشتركة.
وجهة المغرب التنموية في الأقاليم الجنوبية: رؤية واستثمار شامل
في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير إلى مجلس الأمن، أُبرز الدور الفاعل للاستثمارات في الصحراء المغربية، حيث أشار السيد أنطونيو غوتيريش إلى مشاريع بنية تحتية تشمل مركز مؤتمرات ومستشفى ووحدة معالجة للفوسفاط بالعيون، مع غلاف مالي يُقدّر بـ7.7 مليار دولار، وأكد أن الساكنة المحلية عبّرت عن امتنانها للدعم المالي الذي استفادت منه الأقاليم الجنوبية، و هو ما يعكس اعترافًا أمميًا بنهج المغرب في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
و حسب المركز المغربي للاستثمار، تهدف المملكة إلى ضخ استثمارات بقيمة 7 مليار دولار خلال العقد المقبل، تشمل مشاريع في البنى التحتية (طرق، سكك، مطار، ميناء)، تعليم، صحة، وتوليد للطاقة الشمسية والريحية، و عدة مشاريع أخرى متنوعة في مختلف المجالات.
بعض المشاريع المنجزة و التي هي في طور الإنجاز و المزمع إنجازها بالأقاليم المغربية الجنوبية.آفاق التسوية السياسية: هل تقترب لحظة الحسم؟
في ظل التحولات الجيوسياسية الأخيرة، تبرز مؤشرات إيجابية نحو تسوية النزاع في الصحراء المغربية، حيث أن التزام المغرب بمبادرة الحكم الذاتي، المدعومة من قبل 116 دولة، يعكس جديته في إيجاد حل سلمي، و تقرير وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج يشير إلى أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد والواقعي للنزاع.
من جهة أخرى، يُلاحظ تراجع الدعم الدولي للطرح الانفصالي، حيث انسحبت دول مثل غانا وبنما من الاعتراف بـ"الجمهورية الوهمية"، و هذا التغير يُعتبر مؤشرًا على تحول في مواقف المجتمع الدولي ، و يلوح في الأفق انسحاب دول أخرىمما يزيد من عزلة البوليساريو و صنيعتها الجزائر.
الخلاصة: أفق التسوية السياسية في نزاع الصحراء المغربية
في ظل التحولات الجيوسياسية المستمرة، تبرز مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب كحل واقعي ومستدام لحل نزاع الصحراء المغربية، و هذه المبادرة، التي قدمها المغرب في عام 2007، تهدف إلى منح الصحراويين حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية، مع ضمان حقوقهم في إدارة شؤونهم المحلية بشكل ديمقراطي.
الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي يعكس تحولًا إيجابيًا في مواقف المجتمع الدولي تجاه النزاع، و تعزز هدا التوجه بتبني المقترح من طرف قوى عظمى مؤثرة في المشهد السياسي مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة، هذا بالإضافة الى انسحاب و تبني عدة دول أخرى افريقية و أوروبية و أمريكية و جميع الدول العربية باستثناء الجزائر التي جندت كل أموالها و ديبلومااسيتها لهدا الطرح الانفصالي و أنفقت أمولا ضخمة كان أولى لها بواسطتها بناء دولتها و رقي و رفاهية شعبها.
هدا التوافق الدولي يُعد مؤشرًا على قرب التوصل إلى حل نهائي يُنهي هذا النزاع المستمر منذ عقود.
تعليقات
إرسال تعليق